سلطة المعلن وهيمنة تسويق المؤثرين

 


الباحث والمهتم في علم الاتصال يدرك أن دور الوسيلة لا يقتصر فقط على تمكين المرسل من إيصال رسالته إلى الجمهور، وإنما يمتد إلى ما هو أعمق وأبعد من ذلك كظهور أشكال اتصالية جديدة، إنتاج لغة هجينة، وإبراز نخب ورموز بديلة...

كانت الوسيلة وما زالت تعتمد على المحتوى لتنمو وتزدهر، وتبحث عن المستثمر لتواصل وتتطور. ولسوء حظ الوسيلة أنها دائما ما تقع أسيرة في غرام المعلن. على مر الزمان، لم تتعلم الوسيلة من الدرس ولم تتغير أطباع المعلن. يمتلك المعلن شخصية براغماتية، محايد في عواطفه، لا يبالي بمستقبل ومصير الوسيلة ومنحاز لمصلحته. كما أنه لا يهتم بجودة محتوى الوسيلة بقدر ما يهتم بحجم ونوع جمهورها المستهدف وعائد الاستثمار للإعلانات. لذلك، تجده ينتقل من وسيلة لأخرى بحثا عن الكفاءة والتي تتمثل في خفض تكلفة الإعلان، رفع دقة الاستهداف، وسهولة قياس الأثر.

عندما تأكد المعلن من توفر شروط الكفاءة في منصات التواصل الاجتماعي، لم يتردد لحظة في التخلي عن الوسائل التقليدية. لكن المعلن هذه المرة قرر أن يكتشف فرص استثمارية جديدة، تتوفر فيها شروط الكفاءة وتمنحه مميزات إضافية. على عكس الوسائل التقليدية، تمتاز منصات التواصل بمنح جميع المستخدمين فرصة التعبير عن أفكارهم وأراءهم ونشرها دون مقابل أو قيود نسبياً. المستخدم الذي يجيد صناعة المحتوى الملائم لطبيعة الوسيلة والمتسق مع حاجات ورغبات الجمهور، يحصد تفاعل عالي ويحقق انتشار وأسع. هذا النوع من المستخدمين لفت انتباه المعلن وقرر أن يدعمهم ويستثمر في محتواهم. هذا الاستثمار ساهم في ولادة ممارسة تسويق المؤثرين والذي يعتمد فيها المعلن على محتوى (المؤثر):  مستخدم يتمتع بكاريزما جذابة، لديه القدرة على صناعة محتوى ملائم للوسيلة، يقدم معلومات تخدم المنتج المعلن عنه، ويحظى بقبول ودعم متابعيه.

يعتبر المحتوى في ممارسة تسويق المؤثرين المنتج الذي يقدمه المؤثر لمتابعيه، ويمثل تفاعلهم ودعمهم العملة التي يتقاضاها في المقابل؛ في حين أن تفاعل ودعم المتابعين (الجمهور المستهدف)، يمثل المنتج الذي يبيعه المؤثر للمعلن. يميل المعلن إلى إخفاء العلاقة بينه وبين المؤثر ليعزز من قدرة المحتوى على الإقناع والتأثير في سلوك المستهلك. لذلك، وضعت الهيئات والوزارات المنظمة لسوق الإعلان عالمياً، ضوابط تهدف إلى تنظيم الممارسة وحماية المستهلك. إلا أن هذه الضوابط لا تزال غير كافية مقابل الأساليب الترويجية المتعددة والمتجددة لممارسة تسويق المؤثرين. حيث تشير الدراسات إلى أن المستهلك يعتمد على محتوى المؤثرين ويثق في توصياتهم.

قد يبدو للبعض أن إلزام المؤثر بالإفصاح عن المحتوى المدفوع بعبارة "مادة إعلانية"، كما أوصت وزارة التجارة في ضوابط الإعلان الإلكتروني، كفيل بتوعية وحماية المستهلك. لكن الدراسات تشير إلى أن المستهلك متسامح مع المحتوى المدفوع طالما أنه يقدم محتوى جيد يشبع رغباته. بل أن بعض الدراسات وجدت أن المستهلك مدرك ويساند المحتوى المدفوع لأسباب متعددة: كدعم وإبراز لإنجازات المؤثر الذي ينتمي لنفس الهوية، أو لضمان استمرار المحتوى وتمكين المؤثر من رفع جودة محتواه...

لذا، أعتقد بأن على الجمعيات الأهلية كجمعية حماية المستهلك، مسؤولية ودور هام وموازي لدور وزارة التجارة في توعية الناس وحمايتهم من هيمنة إعلانات المؤثرين. حيث لا يقوم المؤثرين بالترويج للمنتجات وحسب، بل يروج محتواهم إلى نمط حياة مادي بحت يعزز النزعة الاستهلاكية لدى الفرد ويفقد الشعور بالرضا والقدرة على استشعار النعم غير المادية. 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مستقبل علم الاتصال التسويقي

بناء قصة العلامة التجارية

الأشكال الحديثة للأدوات الترويجية